بعد فتنة صحنايا وجرمان.. هل يصبح الدروز مخلباً لتقسيم سوريا
حصة عبدالله الحاي السليطي
بعد فتنة “صحنايا” و “جرمانا” التي راح ضحيتها 16 من عناصر الأمن السوري في صحنايا و 8 آخرين في جرمانا، يمكن القول أن أقلية “الدروز” التي لا يتجاوز تعدادها 3% من التعداد السكاني السوري، قد تم التغرير بها، والسعي لاستخدامها مخلب لتنفيذ المشروع “الصهيوغربي” في المنطقة، والساعي لتفتيت سوريا وتقسيمها، كما جاء في تصريح وزيرالمالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي أكد: (إن الحرب لن تنتهي إلا بعدة أهداف، منها تقسيم سوريا)، وهو الهدف الذي كان يسعى الكيان المغتصب لتحقيقه سراً، وها هو يعلنه على رؤوس الأشهاد دون خوف أو وجل، بما يؤكد الانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ ولا سيما أن الشرارة التي اندلعت في المنطقة أعقبت تصريحاته، وما زاد الأمر تأكيداُ وتعقيداً التدخل الإسرائلي المباشر بالطائرات في المنطقة.
بعودة إلى الوراء قليلاً نجد أن الدروز الذين ينتشرون بشكل أساسي في محافظة السويداء جنوب سوريا، خلال الثورة السورية، تبنى معظمهم موقف الحياد أو الحذر، مع انخراط بعضهم بشكل محدود في العمل العسكري دفاعاً عن مناطقهم، إلا أن الشعور بالعزلة وغياب الضمانات من الدولة أو المعارضة، زاد من حالة القلق لديهم، ما دفع بعض الأصوات إلى التلويح بخيارات خارجية، أبرزها الحديث عن علاقة مع إسرائيل باعتبارها “قوة ضامنة” بحسب بعض وجهات النظر، فيما كانت أعداداً منهم تصطف مع الرئيس المخلوع بشار الأسد وتقاتل إلى جانبه.
بالرغم
في فلسطين الوضع أكثر تعقيداً، حيث يعيش ما يقارب 140 ألف درزي داخل “إسرائيل”، وقد فرضت عليهم الخدمة العسكرية الإلزامية منذ الخمسينات، في خطوة لتمييزهم عن باقي العرب الفلسطينيين. هذا الانخراط، رغم أنه قسري أو مؤدلج في كثير من الأحيان، أدى إلى نوع من الانفصال التدريجي عن القضية الفلسطينية، دون أن يعني ذلك أن كل الدروز يدعمون إسرائيل، إذ توجد حركات درزية ترفض التجنيد وتؤكد انتماءها العربي الفلسطيني، وتتجلى خطورة هذا الوجود الدرزي في فلسطين، مع هذه الفتنة التي انطلقت في صحنايا و جرمانا، حيث انبرى زعيم دروز إسرائيل، موفق طريف، المقرب من نتنياهو، وخرج في تظاهرات غاضبة في شمال إسرائيل مطالبين بالدفاع عن دروز سوريا.
خروج موفق طريف، الزعيم الروحي لدروز إسرائيل والمقرّب من نتنياهو، في تظاهرات غاضبة شمال إسرائيل مطالبًا بـ”الدفاع عن دروز سوريا”، يحمل دلالة سياسية وأمنية واضحة، تتمثل في سعي إسرائيل لتكريس نفسها كـ”حامٍ للأقليات” في المنطقة، وتوظيف الطائفة الدرزية في مشروعها الاستراتيجي لتفكيك المجتمعات العربية من الداخل عبر خطاب الحماية، كما يعكس هذا الموقف محاولة لتبرير أي تدخل إسرائيلي في الجنوب السوري تحت غطاء إنساني، وإعادة إنتاج سردية تحالف الأقليات الذي يخدم المشروع الصهيوغربي الهادف إلى شرعنة وجود إسرائيل في محيطها العربي المتفكك، مع الإيحاء بأن أمن الأقليات – ومن بينها الدروز – لا يتحقق إلا من خلال الارتباط المباشر بإسرائيل.
رغم إعلان الحكومة السورية عن استتباب الأمن في مناطق التوتر ذات الغالبية الدرزية، بعد تدخل العقلاء ووجهاء الطائفة الذين نجحوا في احتواء الفتنة والتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار ومحاسبة المتورطين وإعادة الهدوء، إلا أن المخاوف ما زالت تتصاعد من احتمال استغلال الدروز كمخلب قط في تنفيذ المشروع الإسرائيلي المعلن لتقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية. فإسرائيل، التي تتابع بقلق مجريات الجنوب السوري، لطالما سعت إلى استثمار أي اضطراب في هذه المناطق، متذرعة بحماية “الدروز المضطهدين”، لتبرير تدخلاتها السياسية أو الأمنية، سواء عبر الضغط الدولي أو من خلال التنسيق مع وكلائها المحليين، وما يزيد هذه المخاوف هو الخطاب العاطفي الذي يتبناه بعض زعماء الدروز في إسرائيل – وعلى رأسهم موفق طريف – ممن يطرحون أنفسهم كمدافعين عن مصالح دروز سوريا، في حين أن ذلك قد يتحول في لحظة سياسية حرجة إلى منصة لتمرير أجندات خارجية تتقاطع مع المشروع الصهيوغربي الساعي إلى إعادة رسم خريطة المشرق العربي. إن الإيحاء بأن مكوّنًا سوريًا أصيلًا بات يحتاج إلى “حماية إسرائيلية” يشكل تمهيداً خطيراً لتفكيك النسيج الوطني وضرب الثقة بين مكونات المجتمع، خصوصاً إذا تم تصوير الطائفة الدرزية كجسم منفصل له مصالحه الخاصة بعيدًا عن وحدة الدولة والمجتمع، وهو ما يضع الجميع أمام تحدٍ وطني كبير يستدعي تعزيز مبدأ المواطنة العادلة كسبيل وحيد لتحصين البلاد من مشاريع التفتيت والتقسيم.
الفتنة التي اندلعت في منطقتي صحنايا وجرمانا، رغم محدوديتها الميدانية، تحمل بصمات تخطيط إسرائيلي واضح في إطار المشروع الصهيوغربي الواسع الذي يسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا في سوريا والمنطقة، ليس فقط عبر التقسيم الطائفي، بل أيضاً من خلال ضرب أي إمكانية لنهضة وطنية أو مشروع تحرري جامع، وعلى رأسها الثورة السورية. إذ إن تفجير الوضع في مناطق ذات حساسية طائفية، بتوظيف مظالم اجتماعية أو اختراقات أمنية، يهدف إلى إعادة إنتاج الصراع داخل البيئة السورية، لا بين شعب ونظام مستبد، بل بين مكونات أهلية تُدفع دفعاً للاشتباك فيما بينها، بما يسحب البساط من تحت أي مشروع ثوري جامع ويقدّم السردية الإسرائيلية للعالم بأن شعوب المنطقة عاجزة عن العيش المشترك من دون “ضمانات” خارجية. من هنا، فإن ما جرى في صحنايا وجرمانا لم يكن صراعاً محلياً عابراً، بل جزءًا من استراتيجية أكبر لضرب الثورة من الداخل وتشويهها، وتحويل مطالب التغيير إلى حروب أهلية تُبرر بقاء الأنظمة أو التدخلات الخارجية، في الوقت الذي تستعد فيه قوى الاحتلال لإعادة ترسيم النفوذ في سوريا على حساب وحدة الشعب وثورته.
قضايا الأقليات والدفاع عنهم هو امتداد (المشروع الصهيوغربي) الذي يسعى لاختراق النسيج الاجتماعي العربي من خلال تفكيكه طائفياً وعرقياً. في هذا السياق، يتوجب على المجتمعات الإسلامية -وخاصة السُنيّة- أن تحتضن هذه الأقليات ضمن إطار المواطنة الكاملة دون الانزلاق إلى الولاءات الخارجية أو التفكك الداخلي. وعلى قيادة الدول -ولا سيما سوريا ولبنان- النظر للأمر بكل تعقيداته ومعالجته من منظور العدالة الاجتماعية التي كفلها الإسلام للأقليات وفق مبدأ (الحقوق والواجبات)، فالمنطقة التي تتقلّب فوق بركان ساكن فيها ما يكفي من الجراحات التي لم تلتئم بعد، ومن نافلة القول أنها في غنى عن نزف جديد.
الحل لهذه الفتنة الرامية لتقسيم سوريا، يكمن في اتباع منهج الإسلام الذ أقرّ مبدأ (المواطنة الكاملة) على أساس العدل والكرامة، مما يجعل الطريق نحو الاستقرار يكمن في مشروع وطني جامع لا يُقصي أحدًا، يتبنى الإسلام كمرجعية أخلاقية وإنسانية لا طائفية، ويضمن في الوقت نفسه الحقوق السياسية والاجتماعية للأقليات ضمن إطار دولة المواطنة. وحده هذا النموذج قادر على كسر الطوق الإسرائيلي وتحويل الأقليات من عبء محتمل وألغام موقوتة إلى ركيزة للاستقرار والسلام.